الشيخ الروحاني السوسي الشيخ الروحاني السوسي

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

فتاوى أهل العلم في محظورات التداوي

 فتاوى أهل العلم في محظورات التداوي




السؤال اتُعد مسألة التداوي من المسائل القديمة الحديثة، ففي زماننا هذا رغم اختلاف الوسائل وتطورها عما كانت عليه من قبل إلا أنه لابد من الرجوع إلى الأحكام الفقهية التي سطرها أهل الفقه قديما لقضية التداوي حتى تكون مرجعا لأي نازلة  كيفما كانت، وحديثي هنا عن أحكام التداوي في الفقه الإسلامي هو مرتبط أشد الارتباط بموضوع الدراسة لأنه جزء منه وينبني عليه، إذ لابد من معرفة حكم التداوي أولا قبل الدخول في الجزئيات والفروع الطبية.

ولقد اجتهد الفقهاء قديما لكنهم لم يجمعوا على حكم موحد فيها، ولهذا فقد تباينت آراؤهم واختلفت، واعترت المسألة الأحكام الخمسة بتفاوت بين المؤيدين لكل حكم، ولهذا سنذكر أهم الآراء الواردة في الموضوع، وفي هذا يقول ابن تيمية متحدثا عن حكم التداوي: «والتحقيق أن منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب، وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره.»1

ونميز في مواقف الفقهاء من التداوي بين ثلاثة:

الموقف الأول: إباحة التداوي

وهذا الرأي ذهب إليه جمهور الفقهاء، وقد بين ابن عبد البر هذا بقوله: «وقد كان من خيار  هذه الأمة وسلفها وعلمائها قوم يصبرون على الأمراض حتى يكشفها الله ومعهم الأطباء، فلم يعابوا بترك المعالجة، ولو كانت المعالجة سنة من السنن الواجبة لكان الذم قد لحق من ترك الاسترقاء والتداوي، وهذا لانعلم أحدا قاله... وإنما التداوي-والله أعلم- مباح لميل النفوس إليه وسكونها نحوه...لا أنه سنة ولا أنه واجب، وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء.»2.

وقال ابن تيمية « وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء، وتنازعوا هل الأفضل فعله أم تركه على سبيل التوكل»3.

وقال الذهبي (ت 748): «أجمعوا على جوازه، وذهب قوم أن التداوي أفضل لعموم قوله ﷺ:« تداووا... »4.

وقال ابن الحاج: «وخرج مسلم عن جابر عن رسول الله ﷺ أنه قال «لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى»5هذا مذهب الجمهور من العلماء والأئمة من الفقهاء في إباحة الدواء والاسترقاء وشرب الدواء. »6.

وجاء في الفتاوى الهندية ما نصه: «الاشتغال بالتداوي لابأس به إذا اعتقد أن الشافي هو الله تعالى، وأنه جعل الدواء سببا، أما إذا اعتقد أن الشافي هو الدواء فلا.. »7.

وقال في هذا ابن الحاجب المالكي «وأخذ الدواء مباح غير محظور، وقد احتجم عليه السلام وشاور الأطباء، والتداوي بسائر النجاسات جائز»8.

يتبين من هذه الأقوال التي ذكرنا أن التداوي مباح، ولا يصل إلى درجة الوجوب، وبناء عليه يجوز للمكلف التداوي، وهذا الفريق حمل الأمر الوارد في حديث: «تداووا عباد الله...» على الإباحة  لا على غيرها.

الموقف الثاني: وجوب التداوي

ذهب إلى هذا  القول جماعة من أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة، لكنهم اشترطوا أن يكون هذا الدواء نافعا. والذين اعتمدوا هذا الرأي استندوا لحديث رسول الله ﷺ: «تداووا عباد الله... »، فحملوا الأمر على الوجوب، ومن خالفهم حمله على الندب أو الإباحة، لكن القاضي عياض حكى الإجماع في عدم وجوب التداوي.

الموقف الثالث: كراهة التداوي

وذهب أصحاب الفريق إلى كراهة التداوي انطلاقا من أن المؤمن يجب عليه أن يترك التداوي «اعتصاما بالله تعالى، وتوكلا عليه، وثقة به، وانقطاعا إليه، وعلما بأن الرقية لا تنفعه، وأن تركها لا يضره. إذ قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة وزمن الداء... »9.

وقال البهوتي: «ترك الدواء أفضل... لأنه أقرب إلى التوكل، واختار القاضي وأبو الوفاء وابن الجوزي وغيرهم فعله لأكثر الأحاديث.. »10.

وقد استند كل فريق لمجموعة تعضد قوله، والمجال ليس مجال ذكرها11.

وخلاصة القول في مسألة التداوي أنه تعتريه الأحكام الخمسة، بحسب الضرر المترتب على تركه ومدى نجاعته ونسبة نجاحه، ففي الحالات التي يكون أثر الدواء أخذه كعدمه فهذا يبقى على الجواز، لكن إذا ترجح أن نفعه محقق فهو على الاستحباب، وإذا ظهر أن ضره أكبر من نفعه فهو على الحرمة والكراهة، أما إذا كان الداء قد استفحل في أبناء الأمة خاصة إذا كان من الأمراض المعدية أو غيرها، وتيقن الطب من أن دواء ما يعالجه أو يقلل من استفحاله، فإن التداوي يصبح واجبا، على اعتبار أن التداوي أو التطبيب إنما جعل لتخفيف الألم ودفع الضرر، ورفع الحرج عن المرضى وتحقيق المصالح لهم12.

وختاما فالتداوي سبيل لتحقيق الأمن الصحي، لما فيه من دفع للمضار وجلب للمنافع، وتخفيف للآلام وعلاج للأسقام، والمرضى يتشبثون بكل شيء قد يُعيد العافية والسلامة لأبدانهم. ومن بين أنواع التداوي التي اكتشفها الطب المعاصر استخراج الخلايا الجذعية والاستفادة منها في علاج الكثير من الأمراض، وهذا ما سنعرف ماهيته وحكمه فيما سيأتي بحول الله تعالى.لأول:

جزاكم الله خيرا الأخ السائل س ص ع من الرياض يقول أرجو تفسير هذه العبارة الضرورات تبيح المحظورات؟

الجواب: ابن عثيمين

الشيخ: نعم معني هذه العبارة أن الإنسان إذا أضطر إلى شيء من المحرم على وجه تندفع به الضرورة صار هذا المحرم مباحا مثال ذلك رجل في مخمصة أي في جوع شديد وليس عنده إلا ميتة فإن أكل الميتة سلم من الهلاك وإن لم يأكل هلك فهنا نقول يحل له أن يأكل الميتة لأنه في ضرورة كذلك لو لم يكن عنده إلا لحم خنزير وهو جائع جوعا شديدا فإن أكل من لحمه بقي وإن لم يأكل هلك فنقول له هذا جائز لأن الضرورات تبيح المحظورات وأما فيما يتعلق بالدواء فإن بعض الناس يظن أن هذه العبارة يدخل فيها الدواء وأن الإنسان يجوز أن يتداوى بمحرم إذا اضطر إليه كما زعم وهذا غلط لأن الدواء لا تندفع به الضرورة يقينا ولأنه قد يستغني عنه فيشفى المريض بدون دواء أما الأول فكم من إنسان تداوى بدواء نافع ولكنه لم يستفد منه وأما الثاني فكم من إنسان ترك الدواء وشفاه الله بدون دواء.

المصدر: الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين

السؤال الثاني:

أحسن الله إليك يا شيخ بعض النساء يذهبن بأولادهن عند امرأة تعالج الأمراض بالطب العربي مثل الأشجار وغير ذلك ولكن أحيانا يدخل من ضمن العلاج لبن الأتان أنثى الحمار يشربه الطفل المريض فهل يجوز إعطاء الطفل هذا المرض؟

الجواب:

الشيخ: لا يجوز لأحد أن يتداوى بألبان الحمير لأنّ ألبان الحمير محرمة ولم يجعل الله تعالى شفاء عباده بما حرم عليهم لأنه لو كان لهم فيها خير ما حرمها ولا يجوز للطبيبات أن يخلطن الدواء بشيء من ألبان الحمير وهن بذلك آثمات فعليهن أن يتقين الله وأن يبتعدن عن خلط الدواء بشيء محرم.
ابن عثيمين

المصدر: الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين

الاغتسال بالدم منكر ظاهر ومحرم

السؤال الثالث:

كانت أمي مريضة وذهبت إلى العديد من المستشفيات ولكن دون جدوى، وأخيراً ذهبت إلى كاهن فطلب منها أن تغتسل بدم الماعز، وبالفعل عملت أمي ما طلبه منها – جهلاً بالحكم الشرعي – فهل علينا كفارة؟ وما هي؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب: ابن باز

لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والمنجمين والسحرة وسائر المشعوذين، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم؛ بل ذلك من أكبر الكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه [رواه مسلم في السلام برقم 4137، رقم 9171]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من سحر أو سحر له أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له)، (ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) [رواه الطبراني 18/ 162 عن عمران بن حصين بإسناد حسن] رواه البزار بإسناد جيد. أما الاغتسال بالدم فهذا منكر ظاهر ومحرم، ولا يجوز التداوي بالنجاسات، لما روى أبو داود رحمه الله في سننه عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام) [رواه أبو داود في الطب برقم 3376]، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) [رواه البخاري في الأشربة باب (شرب الحلواء والعسل) ج6/ ص248، ط المكتبة الإسلامية- استانبول، تركيا] أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والواجب على أمك التوبة إلى الله سبحانه وعدم العودة إلى مثل ما فعلت، ومن تاب صادقاً تاب الله عليه، لقول الله عز وجل: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [سورة النور: 31]، والتوبة الصادقة النصوح هي المشتملة على الندم على ما مضى من الذنب، مع الإقلاع منه وتركه، والعزم الصادق على عدم العودة له، تعظيمًا لله ومحبة له سبحانه، ورغبة في مرضاته وحذرًا من عقابه، وإن كانت المعصية تتعلق بحق المخلوق، فلا بد في صحة التوبة من شرط رابع وهو: رد الحق إليه أو تحلله من ذلك، والله المستعان.

المصدر: نشرت في مجلة الدعوة، العدد (1312) في 17/4/1413 هـ – مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء التاسع.


التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

الشيخ الروحاني السوسي

2016